المهدية : شبكة تحيل تبيع الوهم للعاطلين عن العمل و تسلبهم أموالهم..
تروي حنان (40 سنة وعاطلة عن العمل) قصة تحيل كانت ضحيتها، وكشفت عن شبكة تعتمد طريقة “التسويق الهرمي”، وتضم أفرادا من مختلف شرائح المجتمع، من بينهم عدد هام من الموظفين العموميين.
تقول محدثتنا إن صديقة لها تعمل عونا بمؤسسة للصحة العمومية بالمهدية، اقترحت عليها مشاركتها في تجارة يمكنها أن تدر عليهما أرباحا طائلة، وإن أحد التجار يرغب في التفريط في سلعته لحاجته الماسة للمال.
وتتابع حنان قائلة :”دون أن تفسر لي نوع السلعة، سألتني أن أمكنها من 5ر3 ألف دينار نصيبي للمشاركة، مشددة على أن الفرصة قد تضيع في أي وقت، لذلك علينا الإسراع في تجميع المبلغ”.
وتبين المتحدثة، مستشهدة برسائل صوتية، أن صديقتها كانت تسلبها كل مليم تتحصل عليه بحجة مساعدتها على التقليص من مصاريفها اليومية والتسريع في جمع المبلغ المطلوب.
وشددت على أنها باتت تحت تأثير كلام صديقتها، التي تصفها بأنها كانت “موهوبة في الإقناع وبارعة في التأثير في كل من تخاطبه”، وكانت تؤكد عليها ضرورة “الامتناع عن إخبار أقاربها، وخاصة زوحها بموضوع التجارة”، عملا، بالحديث الشريف الذي يقول “واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان”، وفق روايتها.
وتقول حنان إن المبلغ المطلوب جمع بعد شهرين، وكان بحوزة صديقتها، التي اصطحبتها إلى ولاية مجاورة أين التقتا بالتاجر المزعوم في أحد المقاهي وتسلم المبلغ، الذي كان بحوزة الصديقة، وأخذ بيانات حنان، لا سيما بطاقة التعريف الوطنية، بحجة تجهيز عقد البيع.
وانتهى الموعد بمغادرة الصديقتين، ومع كل سؤال تطرحه المتضررة تجيبها الصديقة بأنها ستوضح كل شيء عند العودة إلى المهدية، وتؤكد عليها ضرورة متابعة دورة تكوينية ستؤمنها لها بالمجان.
أوضحت الصديقة، عند العودة، أن الأمر يتعلق بشراء منتج باهظ الثمن سيصل حنان قريبا في شكل طرد عبر بريدي، وأنها “مطالبة بجلب حريف آخر أو مشترك جديد، ومع كل زبون ستتحصل على مبلغ مالي في حدود 150 دينارا، وبتكرار العملية ستصبح في رخاء مالي”.
حالما وصفت الصديقة نوع التجارة المزعومة للمتضررة، تأكدت حنان من أنها وقعت ضحية عملية غش وتحيل، خاصة وأنها حاولت تدريبها على جلب المشتركين، وطالبت صديقتها باسترجاع أموالها. وعندما تمنعت، تقدمت بشكاية لدى وكيل الجمهورية بالمهدية.
موظفون وأعوان عموميون يعملون في نفس المجال
وأكدت هذه الصديقة، لدى لقائنا بها، أنها تعمل في هذا المجال منذ أكثر من أربع سنوات، وأنها تمثل، رفقة فريق واسع منتشر في مختلف ولايات البلاد، شركة “كيو نت” الماليزية عبر عقود قانونية، وفق قولها.
وبلغت أرباح شركة “كيو نت” الماليزية الأصل ومتعددة الجنسيات، والتي تأسست سنة 1998 ومقرها هونغ كونغ، حوالي مليار دولار خلال السنوات الأربع الأخيرة.
وتوضح المتحدثة أن الشركة المذكورة تنشط في تونس بطريقة قانونية، ولا علاقة لها بالتحيل، وأنها جمعت رصيدا هاما من المال بفضل هذا العمل الموازي، بل إنها تستعد لشراء منزل على غرار العديد من الموظفين والأعوان العموميين في مختلف المجالات.
والتقينا بصديقة ثانية للمشتبه في تحيلها، وهي تعمل في نفس المؤسسة الصحية، وانخرطت في نفس النشاط في شركة “كيو نت”.
وقد أشارت إلى أنها تلقت نفس العرض من نفس الشخص وبذات الطريقة واشتركت بستة آلاف دينار.
وتوضح المتحدثة أنها بعدما تأكدت أنها خسرت مالها وجدت نفسها “مضطرة لجلب زبائن جدد علها تستعيد ما دفعته، غير أنها، ورغم عدد الزبائن الجدد الذين جلبتهم، أغلبهم من أقاربها، لم تتمكن إلا من استرجاع 350 دينارا، وفق حديثها.
عشرات الأشخاص تم استدراجهم بنفس الطريقة، لدفع أموالهم في تجارة لا يعلمون كنهها، وتلقوا بدورهم منتجات (لم يطلبوها) لا تتجاوز أسعارها 500 دينار، وكان عامل الثقة والقرابة يلعب دورا هاما في الموافقة على الاشتراك.
وتقول الضحية الثانية إن المدراء الذين يتلقون أموال الزبائن يقدمون أنفسهم على أنهم ممثلون مستقلون لشركة “كيو نت”، التي تنشط في بيع بعض التجهيزات، كمنقي الهواء ومصفي المياه والساعات وغيرها.
شركة مرتبطة بالتحيل في العديد من البلدان النامية
وبالبحث عن الشركة المذكورة، تبين أنها شركة ماليزية تم تأسيسها سنة 1998 وممنوعة من النشاط في أغلب البلدان الأوروبية وأمريكا، مع ارتباط اسمها بقضايا تحيل رفعت بكل من العراق وإيران ومصر والجزائر وسوريا وغيرها.
وتتبع الشركة أسلوب “التسويق الهرمي” من خلال أشخاص تطلق عليهم تسمية “ممثلين تجاريين مستقلين” لا تربطهم بالشركة علاقات مهنية مقننة، بل مدونة سلوك تبرئ “كيو نت” من كل مسؤولية عن أي تجاوز يرتكبه هؤلاء الأشخاص.
وشدد الحبيب الديماسي، المدير الجهوي للتجارة بالمهدية، في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء، على أن صفة “ممثل تجاري مستقل” غير موجودة في القانون التونسي، موضحا أن الشركة المشار إليها آنفا لا تنشط في تونس وليس لها أي فرع في البلاد.
وأفاد الديماسي بأن القانون التونسي يسمح بالتمثيل الحصري لتسويق منتجات الشركات الأجنبية، ويخضع هذا التمثيل لترخيص من وزارة التجارة التونسية، والتي تقوم، قبل اسناد الترخيص، باستشارة مجلس المنافسة.
وأضاف المسؤول أنه على أي شخص يقدم نفسه على أنه ممثل لشركة أن يستظهر بتوكيل من الشركة التي يمثلها مع سجل تجاري، وإلا فإنه يعد مخالفا للقانون.
وأشار الديماسي، في نفس الإطار، إلى ان منتوجات الشركة “لا يمكن تسويقها في تونس إلا إذا كانت الشركة منتصبة فعلا في تونس ولها رمز ديواني لأن القانون التونسي يمنع، دون هذه الوضعية، تحويل الأموال إلى الخارج وتمويل شراءات ولو كانت زهيدة الثمن”.
واقترح المتحدث فرضيات لوصول المنتج إلى الحريف في تونس، أولها أن عبر التهريب (أي دون مراقبة ديوانية)، أو أن يتم خلاصها في الخارج وإرسالها في شكل هدية (طرد)، أو ربما يكون المشتري يقيم في تونس ومتحوز على بطاقة بنكية أجنبية (يسلمها له من يشتغل معهم) تمكنه من الخلاص عن بعد.
وبالتثبت في بطاقات الدفع التي تم عبرها خلاص منتوجات “كيو نت”، تبين أنها أجنبية، ويستعملها ما يطلق عليهم اسم الممثلين التجاريين المستقلين، في شراء المنتج لحرائفهم.
شبهات تحيل تزيد من بؤس الضحايا
وتؤكد المحامية كريمة غراد أن “التسويق الهرمي” يتمثل في أن الضحية تجد نفسها مجبرة على جلب المزيد من الضحايا لتحصيل أموالها التي دفعتها، مشددة على أن القليل فقط ممن ينشطون في هذا النوع من التسويق (في أعلى هرم العملية) يتمكنون من تحصيل ثروة هامة، بيد أن البقية يمثلون مزودا هاما بالحرفاء وبالتالي بالأموال، دون أن يستفيدوا.
وبينت الغراد أن عميلة التحيل موضوع التحقيق، إذا تأكدت، تعد “خطيرة بوصفها تجمع بين التغرير بالناس واستدراجهم وتدريب المتحيلين وبيع منتج بثمن مضاعف عن سعره الحقيقي وربما تبييض الأموال يقع بالضرر على أعداد هامة من الناس”.
وفسرت المتحدثة أن المادة 291 من المجلة الجزائية في القانون التونسي تنص على معاقبة مرتكب هذه الجريمة خمس سنوات سجنا مع خطية مالية قدرها الفان وأربعمائة دينار، مشيرة إلى أنه يمنع على الموظف والعون العمومي ممارسة نشاط اقتصادي خارج وظيفته.
ويعرف القانون مرتكب جريمة التحيل بأنه كل شخص استخدم مواصفات غير صحية أو لجأ للحيل لإقناع الغير بوجود مشروعات لا وجود لها على أرض الواقع أو نفوذ أو مشروع وهمي أو التي من شأنها بعث الأمل في نجاح غرض من الأغراض أو الخوف من الإخفاق فيه أو وقوع إصابة أو غيرها من الحوادث الخيالية أو أوراق مالية أو وعود أو وصولات أو حاول أن يختلس الكل أو البعض من مال الغير.
ويعرف الخبراء التسويق الهرمي بأنه “دائرة مفرغة لا يوجد بها منتج حقيقي ولا عميل مهتم.. فكل ما يجري أن المشترك يجني أرباحا كلما جلب مشتركا جديدا.. والذي يفشل في ذلك سيكون الخاسر، لذلك سنت الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1974 قانونا يحظر الشركات الهرمية لتنسج العديد من البلدان على منوالها”.
وينتفع “صيادو ضحايا التسويق الهرمي” كل فترة بتدريب في أحد الفنادق، يطور مهاراتهم في إقناع الناس واللعب على متاعبهم المادية والاجتماعية ووعدهم بجنة المال، مع تقديم أمثلة لأشخاص عانقوا الثروة وحققوا أحلامهم في العيش الرغيد.
وتنشط شبكة “الممثلون التجاريون المستقلون” في مختلف الجهات التونسية، ولأعضائها موعد قار للالتقاء (في كل جهة) في أحد المقاهي المزودة بالأنترنات لتدارس مستجدات نشاطهم وتبادل النصائح والمعلومات.
لن تجد لهؤلاء الأشخاص مقرا لشركتهم التي يمثلونها أو مستودعات للمنتوجات التي يبيعونها لزبائنهم، غير أننا ظفرنا بعدد من الأسماء وأماكن اللقاء وتوقيتها في انتظار تطويق هذه الظاهرة، التي تزيد من بؤس الناس ومخاوفهم.
وات