بعد سنوات من النزاع، أيّ مصير لـــ”دار مينيي”..؟
نزاع موهوم مع أجنبي، وتقرّب الطرف الأجنبي من شخصية نافذة في الحزب الحاكم قبل 14 جانفي، ثم نزاع بين عائلات تود الاستحواذ بمفعول الحوز، ثم نزاع أخير بين البلدية ووزارة أملاك الدولــة، جعل من “فيلا مينيي” منزلا مهجورا في شاطئ الشابة يوشك على الإنهيار بعدما كان من أجمل المنازل المطلّة على البحر في كورنيش مدينة الشــــابة.
في 13 أوت 1949 اشترى المعمّر الفرنسي “أندري لوسيان” العقار المسمى آنذاك “Cap Brachodes” في شاطئ الشابة وكان العقار يتألف من قطعة أرض منفردة شكلها مثلث في شاطئ الشابة وعلى مقربة منها هضبة يتوسطها منزل بمساحة حددت في العقد المسجل في مقر قيادة جبنيانة آنذاك بــ1 هكتار،
تجدر الإشارة أن قرية الشابة كانت تتبع ترابيا معتمدية جبنيانة من ولاية صفاقس وأصبحت احدى معتمديات ولاية المهدية بعد التقسيم الإداري الجديد الذي أقره الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة سنة 1974 باقتراح من وزير الداخلية آنذاك.
بعد سنوات تحوّل اسم العقار من “Cap Brachodes” الى دار “مينيي” بعد فرار مالكها الأصلي “لوسيان” الفرنسي إثر إعلان الإستقلال سنة 1956 الذي كان يستغل عشرات الأراضي في منطقة سيدي بوزيد وخيّر المُغادرة مع عائلته، وفرار المراقب المدني بالجهة “شاستيل” الذي كان يستغلها بدوره، وأصبح العقار تحت طائلة القوانين المنظّمة لأملاك الأجانب والتي أمر الحبيب بورقيبة باسترجاعها بعد اصدار القانون عـــ5ــدد لسنة 1964 والمؤرخ في 12 ماي 1964 والقاضي بتأميم الأراضي الفلاحية وايجاد صيغ لاسترجاع العقارات واسنادها لمؤسسات وهياكل الدولة لاستغلالها وهو ما حصل فعلا في الشابة.
حسب الوثيقة التي تحصلنا عليها وهي وثيقة من مداولات المجلس البلدي بالشابة لسنة 1969، تؤكد هذه الوثيقة أنّ العقار المذكور والمسجل لفائدة الدولة بتاريخ 23 جوان 1966 بعد انتزاعه من الأجانب، تم تسخيره من قبل كتابة الدولة للداخلية لبلدية الشابة سنة 1968 ، بالإضافة لعقار آخر (فيلا شمامة) وقام المجلس البلدي آنذاك بتداول الموضوع وتم الاتفاق على كراء المنزل، وهو ما حصل فعلا في السنة الموالية حيث تم تسويغه للطبيب الفرنسي المعروف “ليسيان مينيي” صاحب مصحة “مينيي” بصفاقس.
استغل “ليسيان مينيي” وعائلته العقار بموجب الكراء لسنوات طويلة، وكانت لهم علاقات ممتدة مع بعض العائلات في المدينة، ثم انقطع دفع معاليم الكراء خاصة بعد وفاة الطبيب، وحاولت البلديات المتعاقبة، تسوية وضعية العقار بعد انتهاء العلاقة التعاقدية بالكراء واستغلال بعض العائلات المقربة من الطبيب للمنزل دون وجه حق، لكن دون جدوى.
كل المجالس البلدية التي حاولت استعادة العقار، وليست كثيرة، فوجئت بغياب الوثائق وفقدانها تماما ورفض بعض الإدارات بأشكال مختلفة تمكين البلدية من الوثائق ويعود السبب، حسب مستشارين سابقين في بلدية الشابة، للعلاقة التي كانت تربط زوجة “ليسيان مينيي” بعائلة القيادي في حزب التجمع الديمقراطي قبل الثورة وعضو الحكومة “عبد العزيز بن ضياء”، وخيّر الأغلبية عدم الخوض في موضوع استرجاع البناية والأرض والترويج لرواية من نسج خيال ديناصورات الإدارة التونسية في تلك الفترة حول وجود خلاف قضائي بين عائلة “مينيي” ووزارة أملاك الدولة، وهي رواية من نسج الخيال لا أساس لها من الصحة بعد أن قمنا بالتثبت من ذلك.
بعد ظهور شحيح لبعض الوثائق، وتدخل البلدية من جهة ومصالح وزارة أملاك الدولة من جهة أخرى تم رفع اللبس حول ملكية العائلة الأجنبية والمقربين منها أصيلي الجهة، وصارت على ملك الدولة، وانطلق طور آخر من الصراع بين بلدية الشابة وادارة أملاك الدولة، فلمن الغلبة ؟
بمُوجب تسخير كتابة الدولة للداخلية لبلدية الشابة سنة 1968، ترى بلدية الشابة أن من حقها مواصلة استغلال العقار، وتم التداول في المجلس الحالي حول امكانية صيانة البناء لتحويله لمتحف في المدينة أو استغلاله في النشاط الإقتصادي لأهمية الموقع جغرافيا وجمال المنطقة، من جهة أخرى تتمسك الإدارة الجهوية لأملاك الدولة بوضع اليد على العقار ويُروج بعض الموظّفين لإمكانية التفريط بالبيع للخواص.
تطوّر الخلاف وتجاوز مرحلة المراسلات والاجتماعات واتخذ منعرجا خطيرا بعد اقدام رئيس بلدية المدينة على التدخل في الدار بحضور عدل تنفيذ وتغيير الأقفال وإعلام السلطة الجهوية وإدارة أملاك الدولة بذلك في 24 ماي الماضي، بعد أيام قليلة تداول المجلس البلدي بالشابة وصادق على مواصلة استغلال الدار بموجب التسخير القديم.
قُوبل هذا الإجراء بتدخل غريب من أعوان الإدارة الجهوية لأملاك الدولة والشؤون العقارية بالمهدية، الذين تنقلوا للدار وهشّموا كل الأقفال الموجودة واستبدلوها بأخرى في 22 جوان، أي بعد حوالي الشهر رغم إعلامهم بوجود المفاتيح بمقر البلدية، وعبّر الأعوان عن نيت الإدارة في بيع الأرض المحاذية للفيلا والتي تندرج ضمن أجزاء العقار.
خلاف آخر يُسجّل في تاريخ هذا العقار، لتكون “دار مينيي” شاهدة على صراعات متتالية أبت إلا أن تحول ذلك العقار الجميل لشبه “خرابة”، وأن تحرم المدينة من استغلاله لتنمية الموارد البلدية، رُبّمــا، مقابل التفريط فيها لأحد رجال الأعمال ليُنمّي بها أرباحه، ورُبّما يكون رجل الأعمال أو العصفور النادر قريبا من إحدى الدوائر في إدارة أملاك الدولة ؟
نزار بن حسن