الأفارقة في تونس والصّمت المُريب للسُّلطة…
“لا نختلف أبدا في نبذ العنصرية ومحاربة الميز العنصري على أساس اللون أو الجنس، ولكن عندما يتعلّق الأمر بأمن التونسيين وسلامتهم، فإنّ نواقيس الخطر وجب أن تُقرع بشدّة.
فكيف يتمكن الآلاف من الأفارقة من التنقل بحرية والعمل والعيش في تونس بدون إقامات وبدون هويات في بعض الأحيان، وأمام هذا الصمت المُريب للسلطة، ألا يمكن لهؤلاء الالتحاق بالمجموعات الارهابية في جبال الشعانبي وسلوم؟ وإلى متى ستتواصل جرائم الأفارقة في بلادنا أمام الصمت المُريب للسّلطة؟”
صار وجود المجموعات الإفريقية جنوب الصحراء في تونس أمرا مُلفتا للإنتباه، يتزايد أعدادهم بشكل يومي دون الحصول على أرقام حقيقيّة للظاهرة ودون حل واضح لمُجابهة الظاهرة التي يراها البعض خطرا مُحدقا بالأمن الاجتماعي والاقتصادي التونسي فيما يراه البعض الآخر ظاهرة اجتماعية عادية قد تُساهم في دعم اقتصادنا الوطني ؟
يؤكّد مركز الدراسات الاستراتيجيّة والدولية الأمريكي أن عدد الأفارقة جنوب الصحراء في تونس بلغ 60 ألف شخص فيما تؤكّد مصادر أخرى أن عددهم فاق الــ200 ألف، وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل أن العدد يفوق ذلك الرقم بكثير، ويتركز هؤلاء في عدد من الولايات الساحلية كمدنين وقابس وصفاقس والمهدية وولاية أريانة في تونس الكُبرى.
في الأيام الأخيرة حاول عدد من الأفارقة جنوب الصحراء سرقة مراكب صيد في سواحل مدينة الشابة وانتزاعها من أصحابها بالقوة واستعمال العنف قصد استعمالها للهجرة الغير نظامية للسواحل الإيطالية في مناسبتين، مناسبة أولى تمكن البحارة من حماية ممتلكاتهم بأنفسهم ومناسبة ثانية تدخّل فيها الحرس البحري ليطلق عيار ناري فرّت بعده المجموعة في غابة الدويرة المحاذية للبحر في الجهة.
في ديمسبر الفارط تعرّض تونسي في منطقة “دار فضال” في سكرة للطعن من قبل إفريقي، وتمكنت الوحدات الأمنية من القاء القبض عليه بصعوبة بعد تدخّل مجموعات محتجّة من الأفارقة، وفي 31 ماي المُنقضي، شهدت مدينة صفاقس معركة باستعمال الأسلحة البيضاء والهراوات بين مجموعة من الأفارقة راح ضحيتها شاب غيني الجنسية بالغ من العمر 35 سنة حسب ما أكّده الناطق الرسمي باسم محاكم صفاقس :مراد التركي، وفي 8 أكتوبر، أي منذ أيّــام، تعرض صاحب منزل في العمران الى الاعتداء بالعنف بعد أن حاول اخراج عدد من الأفارقة من منزله اثر انتهاء مدّة الكراء،
هي جرائم متعدّدة ولا تُحصى، تحوّلت من جرائم فرديّة إلى مجموعات منظّمة ينشط بعضها في إدارة منازل للبغاء وبيع المخدرات والسرقة والنشل وكذلك الهجرة الغير النظاميّة، وهي الهدف الأساسي لوجود هذه الفئة في بلادنا.
يدخل أفارقة جنوب الصحراء إلى تونس عبر ثلاثة قنوات رئيسيّة، وتتنقل بعض الجنسيات على غرار الوافدين من الكوت ديفوار عبر القنوات القانونية وينزلون في مطار تونس قرطاج بعد الحصول على تأشيرات سهلة المنال إثر توقيع الرئيس السابق “المنصف المرزوقي” على قرار فتح السوق الافريقيّة والشراكة خارج محيطها لدفع الاستثمار بعد مشاركته في ملتقى “تونس وافريقيا الصحراوية: نحو استراتيجية التكامل المستدامة” سنة 2014، وهو قرار مكّن من الغاء التّأشيرات وساهم في تبسيط اجراءات الحصول عليها بالنسبة لعدد من الجنسيات الافريقيّة،وكان الهدف هو جلب رجال الأعمال من جنوب الصحراء لتونس قصد الاستثمار، يتحصّل هؤلاء على تأشيرات وإقامات محدودة ولكن يواصل أغلبهم المُكوث في تونس في وضعيّة غير قانونية.
تمّر المجموعات الأخرى من الحدود الليبيّة بسبب عدم الاستقرارفي ليبيا وصعوبة الهجرة الغير نظامية انطلاقا منها بسبب كثرة الاشتباكات وكثرة الاعتداءات عليهم وارتفاع منسوب الميز العنصري، وهي مجموعات ليس لها أي وجود قانوني في بلادنا، وتواصل التجوال والعيش في مختلف الأحياء والمدن دون رقيب في انتظار التنظُّم أو الانخراط في رحلات هجرة انطلاقا من سواحل جرجيس أو صفاقس والمهديّة نحو جزيرة لمبادوزا، أغلب هؤلاء يلجؤون للعمل في مختلف القطاعات لتجميع ثمن السفرة، أو الالتجاء للكسب السريع بالدخول في عالم بيع المخدرات أو السرقة والنهب، أو فتح أوكار البغاء السري، وأغلبهم من نيجيريا ومالي والكاميرون والتشاد…
المجموعة الأخيرة هي التي تنطلق رحلاتها نحو الضفة الشمالية للبحر المتوسط انطلاقا من ليبيا لــــيتم انقاذُها عرض البحر، في المياه الاقليمية أو الدولية، من قبل البحارة أو خوافر الجيش والحرس البحري والديوانة وادخالهم إلى الموانئ التونسية، يتحصل أغلب هؤلاء على ملفات طلب لجوء في بلادنا بحجة عدم استقرار بلدانهم بسبب الحرب الأهلية أو التطاحن السياسي من أجل السلطة، ويتم تمكين أغلبهم من البطاقة الصفراء، وهي بطاقة لجوء أوليّة وليست نهائية في انتظار استكمال الملف ليحصل بعدها اللاجئ على بطاقة خضراء تمكّنه من المكوث في بلادنا بشكل قانوني، ولكن أغلب الطالبين للجوء يحافظون على البطاقة الصفراء ويمتنعون عن استكمال ملفاتهم في انتظار محاولة الهجرة مرة أخرى للحلم الأوروبي، فبحصولهم على البطاقة الخضراء في تونس لن يتمكنوا من البقاء في أي دولة أخرى وسيتم ترحيلهم آليا إلى بلدانهم حسب ما يقضيه القانون الدولي في هذه الحالات.
يعتقد بعض التونسيون والمختصون في علم الإجتماع أنّ وجود الأفارقة جنوب الصراء في بلادنا ساهم في دفع بعض القطاعات التي كانت مهدّدة بالاندثار بسبب عزوف الشباب التونسي عن الاشتغال فيها كقطاعات البناء والزراعة وتربية الأبقار وصناعة الخشب وغيرها التي أصبحت مهدّدة بسبب قلة اليد العاملة، فيما يرى البعض الآخر أنّ ظروف تشغيلهم الهشة واقبال أصحاب الضيعات على تشغيلهم ساهم في تفاقم ظاهرة البطالة خاصة في قطاع الفلاحة وهو ما يهدّد مستقبل الوضع الاقتصادي في تونس ويزيد من نسب البطالة لدى شبابنا.
لا يمكن دراسة أي ظاهرة اجتماعية أو ديمغرافيّة بدون الحصول على أرقام واضحة ومحدّدة وهو الأمر الذي يجعل تواجد الأفارقة جنوب الصحراء في تونس ظاهرة يصعب التعامل معها،
يفرض القانون على أصحاب العقارات إعلام السلطات عند ايواء أجنبي وتسليم هويته لأقرب مركز أمني وهو إجراء لا يعتمده أغلب أصحاب العقارات ما يجعل هذه المجموعات ظاهرة بالعين المجرّدة ولكنها مختفية في الوثائق الرّسمية ما يُشكّل خطرا مُحدقا ببلادنا.
يؤكّد العديد من المحللين في الشّأن الأمني أن وفود هذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين من ليبيا ومن ثم ترحيلهم في عشرات الرحلات يوميا انطلاقا من سواحل المهدية وصفاقس هو دليل قطعي على تواجد عصابات منظّمة تونسية افريقية للاتجار بالبشر، وهو ما يطرح عديد التساؤلات لم لا يتم التعامل مع المهاجرين من الحدود البريّة قبل الاضطرار للتعامل معها أثناء خروجها من تونس ما يجعل بلادنا مُحرجة أمام اتفاقياتها المُبرمة مع الاتحاد الأوروبي، أو الاضطرار للتعامل معها أمنيا وقضائيا عند استفحال الجريمة المنظّمة من قبلها في مختلف الأحياء في بلادنا.
بعض الأفارقة يتحرّكون في مجموعات على صفحات التواصل الاجتماعي وميدانيا في مجموعات للرد على أي محاولة للمطالبة بترحيلهم ولعب دور ضحيّة الميز العنصري وهو ما يجعل المنظّمات الحقوقية في حرج كبير ومضطرّة للوقوف لجانبهم أمام التهديد المُباشر لسلمنا الإجتماعي واقتصادنا الوطني.
كيف يتمكن الآلاف من الأفارقة من التنقل بحرية والعمل والعيش في تونس بدون إقامات وبدون هويات في بعض الأحيان، وأمام هذا الصمت المُريب للسلطة، ألا يمكن لهؤلاء الالتحاق بالمجموعات الارهابية في جبال الشعانبي وسلوم؟ وإلى متى ستتواصل جرائم الأفارقة في بلادنا أمام الصمت المُريب للسّلطة؟
نزار بن حسن