“الخميس الأسود”: “حتى لا ننسى”.. يوم جُرح وقُتل فيه المئات من الضحايا

تحي تونس اليوم الذكرى الرابعة والأربعين، لأحداث 26 جانفي 1978، أو ما عرف بـ”الخميس الأسود”، تحت شعار “حتى لا ننسى..”، وذلك بمقر الإتحاد النقابي لعمال المغرب العربي تونس.
ووصف يوم 26 جانفي 1978 بـ”الاسود” لأحداثه الدامية التي خلفت مئات الضحايا بين قتلى وجرحى، واعتقال وتعذيب ونفي اخرين.
وبالنبش في الذاكرة الوطنية، تعود جذور أحداث “الخميس الأسود”، إلى رفض الاتحاد العام التونسي للشغل سياسة نظام الرئيس الحبيب بورقيبة ووزيره الأول الهادي نويرة للانفتاح الاقتصادي وتكريس الرأسمالية مما ساهم في “تعمق الفوارق الاجتماعية”.
وشهد ذلك اليوم مواجهات دامية هزت البلاد إثر صدامات عنيفة بين الطبقة الشغيلة يقودها اتحاد الشغل ونظام الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، حيث تولى الجيش والبوليس صدّ الاحتجاجات بالرصاص ما أسفر عن وقوع 52 قتيلا و365 جريحا حسب الأرقام الرسمية، وحوالي 400 قتيل وأكثر من ألف جريح بحسب تقارير مستقلة.
وكانت العلاقة بين الحزب الدستوري الحاكم والاتحاد العام التونسي للشغل قد شهدت تصدعا حادا في بداية السبعينات نتيجة مطالب عمالية ونقابية وسياسة التصعيد التي انتهجها نظام الحبيب بورقيبة، خاصة مع إعلان الاتحاد الإضراب العام يوم 26 جانفي 1978 بعد انعقاد مجلسه الوطني أيام 8 و9 و10 جانفي 1978.
وكانت هذه التواريخ بداية الحسم في قرار الإضراب سيما بعد فشل جميع المساعي الداخلية والخارجية لفض النزاع واشتعال فتيل المسيرات والمظاهرات التي عمت البلاد خاصة بمدينة صفاقس ومدينة قصر هلال والتي واجهها نظام بورقيبة بالخيار الأمني وذلك قبل أيام فقط من موعد 26 جانفي. سيما بعد إقالة وزير الداخلية آنذاك الطاهر بلخوجة المعروف بعدم ميله إلى الحل الأمني وتعيين وزير الدفاع عبد الله فرحات مكانه مما ساهم في اشتعال الوضع أكثر ونزول الجيش لأول مرة إلى الشوارع وانتشاره في العاصمة يوم 26 جانفي.
وفرضت قوات الجيش والأمن -مجهزة بآلياتها الثقيلة- حصارا أمنيا وعسكريا على مناطق الاحتجاج وطوقت الشوارع ومقرات اتحاد الشغل. ثم فتحت نيرانها على المحتجين-بأمر كتابي من رئيس الجمهورية، حسب تصريح سابق لمدير الأمن والمخابرات التونسي الأسبق أحمد بنّور لقناة الجزيرة فكانت حصيلة ذلك “الخميس الأسود” سقوط ما بين 250-500 ضحية بين قتيل وجريح، على تفاوت في التقديرات تبعا لمصدرها.
وقد ألقي القبض على قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل برئاسة الحبيب عاشورالذي كانت علاقته سيئة برئيس الوزراء آنذاك الهادي نويرة وتعرض بسبب مواقفه لتهديدات بالقتل؛ فأدخِلوا السجون حيث خضعوا لـ”تعذيب وحشي”، وحوكموا أمام محكمة أمن الدولة بتهم التخريب والقتل، فقضت عليهم بالسجن عشر سنوات مع الأشغال الشاقة.
من أطلق النار
وُجهت أصابع الاتهام بالمسؤولية عن إطلاق النار على المحتجين إلى مجموعة من النافذين في الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم، قيل إنها شجعت رئيس الوزراء نويرة على قطع العلاقة بالاتحاد العام التونسي للشغل.
ومن بين هذه المجموعة وزير الدفاع عبد الله فرحات، ووزير الداخلية الضاوي حنابلية، وزين العابدين بن علي الذي كان يتولى آنذاك منصب مدير الأمن العام. ومدير الحزب الحاكم محمد الصياح (كان أيضا وزيرا معتمدا لدى رئيس الوزراء) الذي يُتهم بأنه استعمل مليشيا مسلحة تابعة للحزب الحاكم لقمع معارضيه.
شهادات الناجين
في 26 جانفي 2017، اختارت هيئة الحقيقة والكرامة -المشرفة على مسار العدالة الانتقالية في تونس بمقتضى “قانون العدالة الانتقالية”- مناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين لأحداث “الخميس الأسود” لعقد جلسة استماع إلى نقابيين من اتحاد الشغل عاشوا تلك الأحداث وناجين من هولها، فأماطت بشهاداتهم اللثام عن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها نظام بورقيبة بحق النقابيين جراء وحشية المعالجة الأمنية لمطالبهم.
ومن بين الضحايا الذين أدلوا بشهاداتهم النقابي السابق محمد شقرون (73 عاما) الذي التحق بالعمل النقابي عام 1971 عندما كان يشتغل في معمل للمسابك بالعاصمة، لكن نشاطه مع اتحاد الشغل كلفه ثمنا باهظا، إذ تعرض للاعتقال أمام زوجته وأطفاله بعد مداهمة منزله.
وأضاف شقرون أنه اقتيد إلى جهاز أمن الدولة حيث خضع للتعذيب الوحشي بشتى أنواع التنكيل من تعليق بالسلاسل وضرب بالهري وصعق بالكهرباء، إضافة إلى أنواع أخرى من الإهانة رفض الإفصاح عنها لبشاعتها.
كما تحدث في الجلسة المصور الفوتوغرافي السابق زهير بلخيرية (61 عاما) -الذي كان حينها شابا يصور المظاهرات التي دعا إليها اتحاد الشغل في مدينة سوسة وأنشطة الإضراب العام- عن حالة القمع والاستبداد التي كان يعيش تحتها التونسيون في فترة حكم بورقيبة؛ وقال إنه اعتقِل وتعرض “لأنواع التعذيب والإهانة والتهديد بالقتل وتلفيق التهم الكيدية”..